معلوم أن ولادة التوائم محفوفة بالأخطار. فهي تزيد احتمالات مرض أو موت الأجنة وتزيد كذلك من المضاعفات عند الأمهات. وفي أفريقيا (و بقية العالم النامي) يزداد الأمر تعقيدا وصعوبة لأسباب معلومة، خاصة في المناطق الريفية. ويزخر الأدب الطبى والعلمى بالأبحاث عن أوزان المواليد التوائم وعن نسبة الذكور والإناث بينهم ومقارنة كل ذلك ما بين المناطق الحضرية والريفية. بيد أن هذا ليس هو موضوع هذه السطور، والتي جاءت لعرض ما نشر أخيرا في مجلة "نيو أفريكان" في عددها الصادر في مايو لعام 2009 م، والذي أشار فيه الكاتب الساخر انوكاشي واميبو إلي تاريخ التوائم في أفريقيا القديمة، وكيف أن قبيلة الإيبو كانت تكره ولادة التوائم ، بل وتعد ولادتهم لعنة تستحق القتل، بينما تعد قبيلة مجاورة لهم هي قبيلة اليوربا ميلاد التوأم فألا حسنا وبشري سارة بها يفرح الناس ويطربون. فتأمل المفارقة في ما تؤمن به قبيلتان متجاورتان.
تذكر بعض المصادر أن قبيلة اليوربا (تلك القبيلة العريقة التي تقطن جنوب غرب نيجيريا وفي بنين ( تنجب – ربما لأسباب وراثية محضة- عددا كبيرا من التوائم قدر بنحو 4.4 في المائة من كل المواليد، يعد الأعلي في كل العالم. وكالعادة ترتبط تلك المواليد بنسبة كبيرة من موت هؤلاء التوائم مما ساهم في تكامل ولادة التوائم في اعتقادات هؤلاء القوم الدينية. فعند اليوربا "إله" يسمونه اورولن يساعده في مهامه آلهة اصغر يسمونها اوريشا، ودينهم هذا يقدس التوائم ويعطيهم أسماء خاصة و يعتقد جازما أن لهم قدرات تفوق مقدرات الأشخاص العاديين. وعند موت المواليد أو الأطفال التوائم ينحتون من الخشب تماثيل تجسد أرواحهم. بل إن شغف اليوربا بالتوائم وإيمانهم بقدراتهم غير العادية قد تسرب عبر تجارة الرقيق إلي معتقدات المستعبدين من السود في جنوب أمريكا وجزر الهند الغربية.
أما عن القبيلة الأخري الإيبو، والتي تسكن بعيدا بنحو نصف ألف ميل بعيدا عن قبيلة اليوربا، فأمرها مختلف جدا. وجد المستعمر البريطاني عند غزوه لتلك الديار في نهاية القرن التاسع عشر أن رجال تلك القبيلة يقتلون التوائم تشاؤماً منهم وخوفا من أرواحهم الشريرة. كانت المرأة الحامل عندهم تدعو ربها ليل نهار ألا تضع توائما، وعندما تكون المرأة بين يدي القابلة (الداية) في حالة الوضع فإن القابلة ستطلق ساقيها للريح إن أحست أن مولودا آخر في طريقه للخروج من رحم تلك المسكينة، وقد يؤدي ذلك لموت الأم إن لم تجد من يساعدها – علي مضض- من عواجيز نساء القرية. يؤخذ التوائم بعيدا ويقذف بهما وهما يصرخان في غابة كثيفة حيث تتولي الهوام والحيوانات التخلص منهما. وفي حالات أخري تتولي القابلة عملية قتلهما بمجرد خروجهما لهذا العالم التعيس درءا للفضيحة وتفاديا لكلام الناس حول ما حاق بتلك الأسرة المنكوبة. أما إذا شاء القدر أن تحيا الأم وصغارها التوائم، فإن لهم معيشة ضنكا من العزلة والسخرية والشماتة من الأعداء والأصدقاء والأعدقاء علي حد سواء. تمنع الأم المسكينة من الطبخ والكلام مع بعلها، بل والسكن معه في ذات الغرفة. وستحتاج تلك المرأة لجلسات مطولة من العلاج الروحي والجلسات المكثفة والبقاء بعيدة معزولة في ركن قصي من القرية كي تتخلص من الشيطان الذي حلّ بجسدها فجعلها تلد تؤاما. ونكاية في المرأة التي ولدت توائما، فإن الزوج عادة ما ينصح بأن يتخذ له صاحبة أخري تؤويه وتنجب له ذرية فرادي، وليس توائم شياطين من روح شريرة. وبالطبع قام "رسل التمدن" البيض (محقين هذه المرة) بمنع قتل التوائم مما أغضب رجال القبيلة ودعاهم لحمل السلاح ضد الرجل الأبيض الذي يريد أن يغير ما وجدوا عليه آبائهم من تقليد وما استقر في وجدانهم كثوابت لا تقبل التعديل. كانوا يعتقدون أنهم سيغضبون السماء إن خالفوا ما اعتادوا عليه من تقليد قتل التوائم. بيد أنه ومع دخول الإيبو في المسيحية شيئا فشيئا بدأ موقفهم في اللين قليلا، وما أن حلت أربعينات القرن الماضي حتى كانت تلك العادة الردئية قد اختفت تقريبا. بيد أن الذي في القلب لا يزال في القلب و لن تعدم أن تري رجلا أو رجلين من افراد تلك القبيلة لا يزالون علي "ضلالهم القديم"، ويعتقدون جازمين أن ما حل بهم من فقر وجوع وخوف ومرض إن هو إلا بسبب هجرانهم لتقليدهم التليد. بل إنك حتي يوم الناس هذا لن تجد توأماً من قبيلة الأيبو يفوق عمره السبعين ربيعا.
يحاول بعض متعلمي تلك القبيلة اليوم تبرير تلك الممارسة البربرية المتخلفة بقتل التوائم بأنها محاولة لتقليل عدد النسل (والذي يعزون غزارته لأسباب وراثية أو لنبات اليام الذي يستهلكه القوم كطعام اساسي!) ويبررون القتل بأن نتيجة خوف متأصل من فقدان الأم لحياتها أثناء الولادة، أو الخوف من تناقص عدد أطفال القبيلة من الموت أثناء الولادة (و ياله من منطق مغلوط) في مجتمع يقدر الولادة والتكاثر ويباهي بهما القبائل. كان رجال القبيلة يرون التوائم عند الحيوانات التي يربونها، ويرون أن ولادة التوائم أمر حيواني ليس للبشر فيه نصيب، فإن ولدت إمرأة منهم توأماً، فذلك يعني بالضرورة أنها أتت بعمل حيواني لا يستحق الحياة! وأستقر ذلك عند قبيلة الإبيو، خلافا لما هو الحال عند اليوربا الذين استقر عندهم منذ الآف السنين أن التوائم خير وزيادة. وهذا الإختلاف العميق لقبيلتين في نفس الدولة في أمر واحد هو ميلاد التوائم يشبه إختلاف الأفارقة في كثير من الأمور التي لا يختلف عليها الناس في مناطق أخرى! فكثير من أمورهم الخلافية تبدو جلية واضحة للعيان لسواهم، و في ذلك يكتب الكاتب الصحفي الساخر انوكاشي واميبو، في غموض وتعميم لا يصح، أن الأفارقة يركزون تفكيرهم عادة في الأجوبة التي يتلقونها وليس علي السؤال الرئيس الذي يطرح عليهم، لذا تجدهم دوما يذهبون مذاهب شتي في تفسير الظواهر التي يجابهونها، و ضرب لذلك مثلا بخلاف اليوربا والأبيو.
لن تلام إن تصورت أن التشاؤم من ولادة التوائم هو من مخلفات الماضي السحيق (والتي ليس للمستعمر البغيض يد فيها)، بيد أن خبرا في صحيفة الإندبيندنت البريطانية في يوم الثالث عشر من مايو عام 2008 م أوردت أن رجلا علم بعد أن بلغ التاسعة والعشرين من عمره أن له اختا توأم كان والده قد "تبرع" بهما بعد دقائق من مولدهما في جزيرة مدغشقر درءا للفضحية وسترا للعائلة من عار يلطخ سمعتها أبد الدهر. وليست هذه القصة من الشاذ الذي لا حكم له، بل أن العكس هو الصحيح. ففي تلك الجزيرة الساحرة تم ومنذ عام 1987 م ايداع 236 تؤاما في ملاجئ للأيتام بسبب الخوف من لعنة التوائم. وبما أن هذه العادة شديدة التأصل في المجتمع المدغشقري، فلقد آلت الحكومة هنالك علي نفسها القضاء عليها بالحسني فنظمت حملات التوعية واقامت الندوات والبرامج، بيد أن كل ذلك لم يجد فسنت قانونا لحماية التوائم... يا لبؤس أفريقيا! كم قانونا تحتاج لتحمي الأطفال والنساء والمشردين والمرضي والمستهلكين وذوي الحاجات الخاصة و الحيوانات والآن التوائم (علي الأقل في أجزاء من القارة المنكوبة).
تصور كيف يكون الحال لو ظل رجال الأبيو يئدون توائمهم حتي اليوم. نكرر دوما أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله. أفلا نشكر الإستعمار "البغيض" (كنوع من التغيير) علي منعه لتلك العادة البغيضة!؟ أم أن ذلك من الموالاة المنهي عنها!؟ ونحن في السودان (كما يغني العميد) نحمد الله أن عافانا من وباء التشاؤم من التوائم، بل أننا نجد أن افضل بخور عندنا هو "بخور التيمان" وهما كما علمنا من الشبكة الإسفيرية (لحى الله مخترعها) تؤمان يسميان الجنيد والنفراوى.
No comments:
Post a Comment